محمد سلام يكتب : ساعات بين قسم شرطة ثان.. ونيابة ثان أسيوط

لم يكن يومًا عاديًا، فتلك هي المرة الأولى التي أدخل فيها قسم شرطة. وطبقًا لما هو مسموع، فالتجربة حتمًا ستكون قاسية، أما الواقع فلم أكن أدري ما سيكون.
الموضوع مشاجرة.
المكان: قسم شرطة ثان أسيوط.
كان من الطبيعي تخيل السيناريو وأنا في طريقي للقسم. سيكون هناك رجل ذو شارب كثيف، ضخم الجسم، سيئ السلوك، عالي الصوت، يقتادني بقوة إلى الضابط الموكَّل بالتحقيق معي، وحتما علي أن أنتظر فترة طويلة أمام الباب حتى يتناول محمد بيه الشاي، وربما يناديني ليسألني، أو ربما يأتي أحمد بيه ليتوسط لأحد المواطنين، ومن هنا علي الانتظار أكثر. ثم يدق جرس التليفون، ليرد محمد بيه على أحد أبنائه الذي يشكو من أخته لرفضها إعطاءه لعبة ما، أو ربما يكون الاتصال من زوجته لتطلب شيئًا ما للإعداد لغداء يوم الغد، وربما يطالع التيك توك أو الفيس بوك لبعض من الوقت.
ليس مهمًا الانتظار.
من المؤكد أن محمد بيه سيناديني الآن، لكن هناك مشكلة ما قد تتطلب خروج محمد بيه مسرعًا لتحقيق ضبطية ما، وهنا يسألني وهو خارج:
– “أنت جاي في إيه؟”
– “مشاجرة يا باشا.”
– “مشاجرة؟ طيب، خذوه على الحجز لغاية ما أرجع.”
وسأدخل الحجز، ربما ستكون فرصة جيدة لرؤية المجرمين أو المسجلين خطر، بائع الشابو، واللصوص، وهذا لضربه لزوجته، وآخر لسرقة محل تجاري، وغير ذلك لمشاجرة أو الاتجار في المخدرات، والسرقة بالإكراه، وغير ذلك.
هل أرى تلك القماشة التي اعتدنا رؤيتها في الأفلام، حيث يتبول خلفها المحجوزون؟
وهل سأرى تلك الأشكال المخيفة للمسجلين خطر التي نسمع عنها من البعض؟
فجأة، نادى علي الضابط بكل أدب واحترام:
– “اتفضل يا حاج، إيه المشكلة؟”
– “مشاجرة.”
وبعيدًا عن التفاصيل، ودون الدخول في سرد لما حدث، فقد تم التعامل مع أكثر من ضابط، أذكر ربما اسم أحدهم، النقيب المحترم محمد عطا.
كان التعامل راقيًا، مهذبًا، وبهدوء دون صخب أو رفع صوت.
حاول الضابط ومعه اثنان آخران من زملائه عمل مصالحة بيني وبين الطرف الآخر، وقد تم ذلك في قمة التحضر والسلوك الطيب. ورغم رفض الشخص الآخر الصلح، إلا أن الضابط ظل يحاول عدة مرات بأسلوبه الراقي، وفي النهاية قال الضابط:
– “معذرة، ليس أمامي خيار إلا تحويل المحضر إلى النيابة، وعليكم الذهاب مسبقًا إلى هناك للانتظار.”
ذهبت إلى نيابة قسم ثان أسيوط، وكان هناك سيناريو آخر غير محبب يجول بخاطري.
نعم، لا يمكن أن يكون ما حدث في قسم الشرطة مشابهًا لما سيحدث هنا، لكنني لم أحاول تخيل ما سيحدث.
ربما كان الانتظار طويلًا بعض الشيء لظروف ما.
نادى الحارس، وعندما دخلت كان هناك رجل ذو بدلة زرقاء يجلس على مكتبه.
– “اتفضل يا حاج، ارتاح.”
ارتاح، بداية طيبة لما سيحدث.
– “اتفضل احكي ما حدث.”
هممت بالوقوف، لكنه ابتسم:
– “زي ما أنت، جالس.”
استمع وكيل النيابة وبكل رقي إلى كل منا، وتم النقاش بيني وبين الشخص الآخر.
حاورنا بأسلوبه المهذب الرائع المقنع دون استعجال، حتى تم الصلح.
لم يعلُ صوته، لم يغضب، لم يفرّق في المعاملة بين أحد على حساب الآخر.
وفي نهاية الحديث، وأثناء خروجي، طلبت معرفة الاسم لكنه رفض دون الحصول على إذن من رئيسه.
سألني:
– “لماذا ترغب في معرفة الاسم؟”
– “لأن بلدنا فيها حاجات حلوة كتير، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. هناك ثقافة سائدة جعلتنا نتوقع السيئ منكم.”
ابتسم الأستاذ المحترم كيرلس مجدي، وكيل النيابة، والذي عرفت اسمه من الحارس بعد خروجي.
ثم تم استدعائي بعد لحظات من قبل مدير المكتب، الأستاذ المحترم أحمد أشرف، ليشكرني على كلماتي للأستاذ كيرلس.
حدثني بعد أن وقف من مكانه قائلًا:
– “شكرًا لك، ما نفعله واجب علينا، نفعله مع كل المواطنين لأن هذا واجبنا تجاهكم.”
نعم، من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
شكرًا لكل موظف يؤدي عمله بإخلاص.
شكرًا لكل ضابط خلوق يراعي أخلاقيات عمله ويعامل الناس معاملة حسنة طيبة.
شكرًا لكل ضباط وعاملي قسم شرطة ثان أسيوط، وتحية تقدير لهم.
شكرًا لكل وكيل نيابة يراعي الله في عمله ويحترم أخلاقيات عمله.
شكرًا للخلوق المحترم الأستاذ كيرلس مجدي، والخلوق المهذب الأستاذ أحمد أشرف.