مقالات

د. بلال علي ماهر يكتب :تعدد الأديان بين المفهوم والمضمون

لم تأتي كلمة الدين جمعًا أو مثنى فى القرآن الكريم، وإنما جاءت مفردةً

 

أسهب المتحدثون قديمًا وحديثًا فى حوار الأديان وإشكالية تعددها، وانقسم الناس من غير توثيق وتدقيق إلى فريقين:  فريق مؤيد للتعدد، وفريق رافض له.  وقبل الخوض فى هذه الإشكالية وإبداء الرأى فيها سواء بالتأييد أو بالرفض يجب التعرف على مفاهيم جوهرية فى هذا الشأن.  وفى حقيقة الأمر تنقسم أديان البشر ومعتقداتهم إلى شِقَين مُتَباعدين:  أولهما الأديان المتعددة التى وضعها البشر، والتى يؤمن بها ما يُقارب نصف سكان العالم المعاصر من مثل:  الهندوسية، والسيخية، والبوذية، والمجوسية، والزرادشتية، والبهائية،… وغيرها من الأديان، وهى ديانات أرضية لا يَدْعي أصحابها أنها مُنَزلةٌ من السماء.  وعلى أصحاب الدين السماوى التعرف على هذه الأديان الوضعية لدواعى دراسات علم مقارنة الأديان المعني بالموازانات المنظمة للعقائد والممارسات فى الأديان العالمية الوضعية، وذلك لإثراء الثقافات المرجعية للحضارات كموسوعة ـــ قصة الحضارة للكاتب ويل ديورانت ـــ والدراسات المعرفية ذات الصلة، لتفعيل التواصل مع سائر الأمم والشعوب لنشر دعوة الإسلام على هدى وبصيرة، من غير هجوم أو تقريعٍ ، ومن غير تنفير أو تكذيب.  ويُعَد علم مقارنة الأديان من العلوم التى صاحبت الحضارة الإسلامية بدافع من القرآن الكريم ابتداءً، وذلك من خلال إشاراته المتعددة إلى الأديان، والشرائع السماوية، والكتب المقدسة، عرضًا وتحليلًا، ونقدًا ومقارنة.  وهذه الإشارات تمثل منطلق فقهاء المسلمين، ومستند عُلمائهم فى دراساتهم للأديان البشرية الوضعية.

وثانيهما الشرائع السماوية المتعاقبة التى يؤمن بها أكثر من نصف البشر، وأصلها دين واحد كما جاء فى آيات القرآن الكريم، ألا وهو دين الإسلام منذ هبوط نبى الله آدم (عليه السلام) إلى الأرض، وحتى البعثة المحمدية.  والشرائع السماوية نَزَلت متعاقبة للأقوام كاليهودية، وكتابها التوراة، وأنبياؤها بنو إسرائيل، وأولهم نبى الله يعقوب (عليه السلام)، وآخرهم نبى الله موسى (عليه السلام)، والنَصرانية وكتابها الإنجيل، ونبيها عيسى(المسيح عليه السلام).  ولله حكمة عليا فى تتابع الأنبياء على مر العصور، فكل نبى جاء بدعوة وبشرى، وكل رسول أُرسِل برسالة وشريعة محددة بمكان وزمان وقوم.  وهذا المفهوم يُرَسخ تكامل الرسالات السماوية، وانسجامها الروحى مع بعضها البعض فى نسيج متلاحم ودين الإسلام الواحد الشامل لجميع البشر.

وليس هناك ما يُسمى بالأديان السماوية، فلم تأتي كلمة الدين جمعًا أو مثنى فى القرآن الكريم، وإنما جاءت مفردةً كقوله تعالى ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران19] وقوله تعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [آل عمران85].  وبالرغم من إنكار اليهود رسالة الإنجيل ونبوة المسيح (عليه السلام)، وإنكارهم رسالة القرآن ونبوة محمد (ص)، وبالرغم من إنكار النصارى رسالة القرآن ونبوة محمد (ص)،  فالقرآن الكريم يؤكد إيمان الرسول والمؤمنين بجميع الكتب السماوية التى أنزلها الله بقوله تعالى ﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله﴾ [البقرة 285].  وهو إيمان من غير اتباع، فالإيمان بالكتب السماوية واجب، ولكن القرآن الكريم وسنة النبى محمد (ص) تَنِسخ ما قبلها، وهناك فرق جوهرى بين الإيمان ودلالاته، والاتباع وتَبِعاته، وكما قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء107].  فلم يُرسِل اللهُ أى نبى رحمة للعالمين سوى محمد (ص)، أرسله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، وأيده بدلائل النبوة الدامغة، وأنوارها الساطعة.

اعلان اسفل محتوى المقال

admin

الصحافة والإعلام..موقع عربي متخصص فى الثقافة والفنون والرياضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock