مقالات

د. بلال علي ماهر يكتب : الصهيونية والسامية ..المفاهيم والأهداف

تعتبر السمة السياسية من أهم السمات المميزة للأدب العبرى الحديث، فهو فى حقيقته أدب سياسى معاصر موجه لخدمة الصهيونية العالمية، يروج لها شعرًا ونثرًا باستخدام الرواية والقصة القصيرة والمسرحية، ويدعم نشاطها وأهدافها بالكلمة الأدبية.  وقد أدرك الصهاينة منذ نشأة حركتهم العنصرية أهمية الدور الجوهرى الذى يمكن أن يلعبه الأدب المعاصر فى الدعاية المباشرة وغير المباشرة لترويج الأفكار الصهيونية وتعميق مفهوم السامية، وقدرته الفعالة على مخاطبة البشر وتأثيره العميق فى نفوسهم. وقد اهتم الدارسون للصهيونية تتبع هذه الحركة وتطورها من خلال الدراسات التاريخية الوصفية وهو التاريخ السياسى للصهيونية العالمية.

وتطبيقًا لهذا المنهج فى دراسة الصهيونية وقع الاختيار على دراسة مفاهيم الصهيونية وتوجهاتها الفكرية لثلاثة من كبار الأدباء الإسرائيليين وهم:  يعقوب فيخمان (1881-1958) مفاهيم الصهيونية الثقافية أو الروحية، وناتان ألترمان (1910-1970) مفاهيم الصهيونية السياسية، وش. شالوم ( 1904-1990) مفاهيم الصهيونية الدينية العقائدية.  ومن خلال هذا الاختيار يمكن التعرف على كيفية تخصيص وتوجيه الإنتاج الأدبى لهؤلاء الأدباء لخدمة الأهداف الصهيونية والترويج لأفكارها.  ومن خلال هذه الدراسات يمكن التعرف على تطور الفكر الصهيونى من العهد القديم وحتى الصهيونية السياسية، ثم فكرة الصهيونية فى «التلمود» وتعاليمه التى تؤصل الفكرة الصهيونية، وتوضيح معنى الأرض والاختيار السامي، والخلاص فى الفكر التلمودى.  وكلمة «تلمود» كلمة عبرية معناها العلم أو الثقافة وعُرِف بهذا الاسم كتابان: التلمود الفلسطينى، والتلمود البابلى وموضوعهما واحد، الأول جمعه اليهود الذين بقوا فى فلسطين بعد أن دمر الملك البابلى الكلدانى (نبو خذ نصر الثانى أو بختنصر) مدينة أورشليم (القدس) عام 586 قبل الميلاد، والثانى جمعه اليهود الذين أسرهم هذا الملك فى بابل.  والتلمود من أهم الكتب الدينية عند اليهود، وهو الثمرة الأساسية للشريعة الشفوية، بمعنى تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة (التوراة)،  وهو النص المركزى لليهودية الحاخامية، والمصدر الأول للشريعة الدينية اليهودية واللاهوت اليهودى.  وقبل مجيئ الحداثة كان التلمود كتابًا محوريًا للحياة الثقافية فى كل المجتمعات اليهودية، وكان مؤسسًا لكل الفكر والأمل اليهودى، وهاديًا فى الحياة اليومية لليهود، وهو ليس شريعة قانونية رسمية لهم.

ومفهوم الاختيار عند فيخمان هو استمرار الاختيار الإلهى لبني إسرائيل، وعتاب الرب لبعده عن جماعته المقدسة، وقيادة الرب لهم لاستعادة المجد اليهودى القديم، ومطالية الرب بتحقيق العهد وتخليص الشعب.  وبعد قيام دولة إسرائيل يعالج فيخمان فكرة العودة ونسبتها إلى أنها تحقيق لإرادة الله العليا.  وفى معالجة فيخمان لمفهوم الاختيار تطرق إلى تميز اليهود عن غيرهم من سائر البشر وهو مفهوم السامية، والمطالبة بالمحافظة على العلامة المميزة للاختيار، ومحاربة الاندماجية فى الشعوب، واعتبار هذا الاختيار الإلهى سببًا فى كراهية العالم لليهود الصهاينة، والربط بين الخلاص والاختيار، ثم التحفيز على ضرورة استخدام أساليب القوة وآلاتها المتطورة من خلال الدولة الحديثة، كما حض اليهود الصهاينة على كراهية العالم والعزلة. بعد ذلك تأتي الأفكار الصهيونية فى العصر الوسيط الذى يعرف بالعصر الذهبى فى الأدب العبرى ومن أهم رواد هذا الأدب:  صموائيل هناجيد (922-1055)، وسليمان بن جبيرول(1021-1056)، ويهودا اللاوى (1086-1140) والتى تؤصل معانى المعاناة، والخلاص، والإله، والاختيار السامى، والعهد، وأرض إسرائيل عند كلٍ منهم.

وكانت معالجة الأدباء الإسرائيليين لمفهوم الألوهية متماثلًا مع ما ورد فى نصوص العهد القديم، وفى التلمود، فبدلًا من أن يُدْعى الله باسم الحق، وهو رب العالمين ركز الأدباء على أنه إله إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وتعمدوا تجاهل نبى الله إسماعيل وذريته من نسل نبي الله إبراهيم. وادعوا أن الله هو إله بنى إسرائيل وحدهم، خيرًا لهم وشرًا لسائر الشعوب والأمم.  كما جعلوا من الله إلهًا قوميًا متحيزًا يختص بعبادته بنو إسرائيل مما يتنافى مع جوهر التوحيد والمساواة بين جميع البشر أبناء آدم عليه السلام.  وقد امتنع اليهود الصهاينة عن التبشير بالتوحيد للعالم، إيمانًا منهم بأن عقيدتهم وديانتهم لا تكترث بمصير الإنسانية بقدر اهتمامها بالمصير القومى لبنى إسرائيل الصهاينة.  وقد ورد فى العهد القديم فقرات كثيرة تحذر اليهود من أن يَنسبوا اختيار الله لهم لحسن أخلاقهم وسلامة مبادئهم، وتؤكد أن اختيار الله لهم كان بالرغم من سوء أخلاقهم وانحراف مبادئهم.

وعلى صعيد العالم الإسلامى لأمة محمد (ص) فى الماضى والحاضر والمستقبل، وما ورد فى الكتاب والسنة المطهرة تتجلى السامية الحقيقية فى آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وفيما يلي نذكر بعض من قطوفها وأنوارها:

ــــ ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾ (سورة الأنبياء آية 107)

ــــ ﴿يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ (سورة الحجرات آية 13)

ــــ ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله﴾ (سورة أل عمران آية 110)

ــــ لا فضل لعربى على عجمى، ولا لعجمى على عربى، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

(حديث عن جابر بن عبد الله)

ــــ الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب (أبو هريرة، أخرجه الترمذى)

والسامية الحقيقية هى أمة محمد خاتم النبيين والمرسلين الذى آمن بما أنزل إليه من ربه كما قال الحق تبارك وتعالى فى آية 285 من سورة البقرة.

﴿آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير﴾.

فلا سامية بغير تقوى الله .. ولا سامية بغير تواضع لله وللمؤمنين .. ولا سامية بغير مساواة بين جميع البشر .. ولا سامية بغير إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله .. ولا سامية إلا بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. ولا سامية بغير قيم أخلاقية .. ولا سامية بغير مبادئ إنسانية .. ولا سامية من غير رحمة بالعباد وشفقة بسائر مخلوقات الله فى الأرض والسماء.. والسامية الحقيقية تنبذ العرقية والعنصرية.

مرجع هذا المقال:  كتاب «تشابك العلاقة بين التاريخى والدينى والسياسى فى الحركة الصهيونية وانعكاساته فى الأدب العبرى الحديث»، تأليف د. عبد الخالق عبد الله جبه، أستاذ اللغة العبرية وآدابها والدراسات الإسرائيلية بكلية آداب جامعة المنوفية.  مركز الدراسات الشرقية، جامعة القاهرة، سلسلة الدراسات الدينية والتاريخية 2022م.

اعلان اسفل محتوى المقال

admin

الصحافة والإعلام..موقع عربي متخصص فى الثقافة والفنون والرياضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock