مرت ذكرى عيد الإعلاميين المصريين والتى تلاشت ـ تقريبا ـ مظاهر الإحتفال به،لعدة أسباب،ونظرا لأن هذه المناسبة بشكلٍ أو بأخر إرتبطت بالتليفزيون العربى الذى عرف فيما بعد بـ”ماسبيرو”،ولأننى واحد من أبناء هذا الصرح العظيم فإن العديد من الذكريات تأخذنى نحو إنجازات تُشكل فى مجملها علامات مضيئة مازالت حاضرة وفاعلة ومؤثرة فى الإرتقاء بالوعى العام للمجتمع المصرى،وهو الهدف الذى فشلت فى تحقيقه كيانات أخرى عملاقة ماديا،ما يجعلنى وكل زملائى ومن سبقونا بالعمل فى”ماسبيرو”نشعر بالفخر والإعتزاز لأننا ننتمى لهذه المؤسسة التى قد تمرض لكنها لا تموت أبدا..
وعلى ذكر علامات الطريق التى أضاءها أبناء ماسبيرو فى مسيرة تنوير الشعب المصرى نجدها كثيرة،فإلى جانب إنتاج البرامج والحلقات التليفزيونية الدرامية المسلسلة والحفلات العامة كانت هناك تجربة هامة ورائدة هى صناعة الأفلام السينمائية والتى إشتهرت باسم “أفلام التليفزيون”،وقد بلغت ذروتها على مستوى كم الإنتاج وأيضا طبيعته الفنية المميزة خلال الفترة من آواخر السبعينات وحت منتصف التسعينات من القرن الماضى،حيث أنتجت العشرات من الأفلام،حقق أغلبها نجاحات كبرى على مستويات عدة،وبعضها مازال إلى الآن مؤثرا فى وجدان المواطن المصرى والعربى دون مبالغة أو تزيد ..
من المعروف أنه قد أصطلح على تسمية هذه الأفلام بإسم”أفلام التليفزيون”نظرا لأنها كانت تعرض فقط على الشاشة الصغيرة،ولا تعرض بدور العرض السينمائية المعروفة،إلا أن تلك الأفلام ضمت من حيث المستوى الفنى كافة العناصر السينمائية الأساسية التى نستطيع وبمنتهى الحياد أن نقول أنها أفلاما سينمائية خالصة،لم يكن ينقصها سوى أن تعرض فى صالات العرض التقليدية التى يذهب اليها الجمهور.
والمتابع لتاريخ صناعة التليفزيون للأفلام سيجد العديد من المفارقات،فالمعروف أنه من أوائل الأفلام التى أنتجها التليفزيون العربى ـ حينذاك ـ كان فيلم”الخيانة العظمى”والذى صدر فى 10 سبتمبر1962،سيناريو وحوار وإخراج يوسف وهبى وبطولته مع: عمر الحريرى،فيفى يوسف،إنجى إسماعيل،فؤاد شفيق،حسن البارودى،وكانت تدور أحداثه فى إطار إجتماعى ذو إسقاطات سياسية على الصراع العربى الإسرائيلى وكيف أن إسرائيل زرعت نفسها فى الأراضى العربية.. والمفارقة هنا أن هذا الفيلم عرض بالسينمات المصرية فى القاهرة والأسكندرية والسويس وبورسعيد والمحلة والزقازيق.
بعد ذلك توقفت عمليات إنتاج الأفلام أو بالأحرى قلت لعدة أسباب منها الإقتصادى ومنها السياسى وبقى الوضع كذلك حتى عام1968،حيث أنتج التليفزيون فيلمين قصيرين هما “طبول” سيناريو وإخراج سعيد مرزوق وبطولة سمير غانم،جورج سيدهم،سناء ماهر،وهو فيلم موسيقى إستعراضى..والفيلم الثانى هو”أما مقلب”تأليف وسيناريو كمال كريم وبهجت قمر وإخراج حسام الدين مصطفى وبطولة:حسن يوسف،ناهد شريف،محمد عوض،عبدالعظيم عبدالحق،وتدور أحداثه فى إطار إجتماعى بوليسى مشوق..
وفى فترة سبعينات القرن الماضى أنتج التليفزيون المصرى عدداً من الأفلام نذكر منها:”ساحرة”1971،وهو فيلم قصير عادت به فاتن حمامة للعمل الفنى مرة أخرى بعد عودتها من الخارج،قصة الفيلم كانت لتوفيق الحكيم والإعداد السينمائى أحمد صالح،إخراج هنرى بركات،والبطولة:فاتن حمامة،صلاح ذوالفقار،عادل إمام، سعيد صالح.
“رجل زائد عن الحاجة”1972،تأليف وسيناريو يحيى زكى،مصطفى بركات،إخراج سعيد عبدالله،بطولة:شكرى سرحان،صفاء أبوالسعود،محسن سرحان،نادية رشاد.
“الورطة”1972،تأليف توفيق الحكيم،سيناريو عصمت خليل،إخراج إبراهيم الشقنقيرى وبطولة:يوسف شعبان،مديحة كامل،محمود المليجى، صلاح نظمى.
“الأصابع الثلاثة”1973،فيلم قصير قصة سيناريو إبراهيم الوردانى،عصمت خليل،إخراج ناجى أنجلو،بطولة:عبدالمنعم إبراهيم،محمد شوقى،وحيد سيف،سهير البارونى،عزيزة راشد.
ثم يأتى عقد الثمانينات وهو عصر النهضة بالنسبة لإنتاج التليفزيون المصرى من الأفلام،تلك النهضة حققها قطاع الإنتاج كماً وكيفاً بدعم وقيادة السينمائى والإعلامى الكبير الراحل ممدوح الليثى،الذى أنتج العشرات من الأفلام فى تلك الفترة، فشاهدنا أفلام إهتمت كثيرا بالمجتمع المصرى وقضاياه وناقشتها بوعى شديد وإدراك لكافة الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية والسياسية على أرض الواقع،مثل أفلام:
“إستقالة عالمة ذرة”1980،قصة إحسان عبدالقدوس،سيناريو ممدوح الليثى،إخراج إبراهيم الشقنقيرى،بطولة:سهير البابلى،أبوبكر عزت.
“أنا لا أكذب ولكنى أتجمل”1981،قصة إحسان عبدالقدوس،سيناريو ممدوح الليثى،إخراج إبراهيم الشقنقيرى،بطولة:أحمد زكى،آثار الحكيم،صلاح ذوالفقار،زهرة العلا.
“أيوب”1983،تأليف نجيب محفوظ،سيناريو محسن زايد،إخراج هانى لاشين،بطولة:عمر الشريف،مديحة يسرى،آثار الحكيم،محمود المليجى وهوأخر أفلامه.
“الوزير جاى”1986،قصة أحمد رجب،سيناريو عاطف بشاى،إخراج إبراهيم الشقنقيرى،بطولة:وحيد سيف،سيد زيان،أسامة عباس،أحمد بدير.
“فوزية البرجوازية”1985،تأليف أحمد رجب،سيناريو عاطف بشاى،إخراج إبراهيم الشقنقيرى،بطولة:صلاح السعدنى،إسعاد يونس،أبوبكر عزت،نبيلة السيد،سناء شافع.
“أنا وأنت وساعات السفر”1988،قصة وسيناريو وحيد حامد،إخراج محمد نبيه بطولة:يحيى الفخرانى،نيللى.
“محاكمة على بابا”1987،تأليف أحمد رجب،سيناريو عاطف بشاى،إخراج إبراهيم الشقنقيرى،بطولة:يحيى الفخرانى،إسعاد يونس.
والحقيقة أن الحديث عن إنتاج أفلام التليفزيون خلال عقد الثمانينات من القرن الماضى يحتاج للعديد والعديد من المقالات وما ذكرناه ما هو إلا أمثله من مجمل الإنتاجات..
ثم نأتى للفترة من بداية وحتى منتصف التسعينات،حيث أنتج التليفزيون المصرى العديد من الأفلام منها ثلاثة من أهم أفلام الشريط السينمائى المصرى عبر تاريخه،وهى وفق تريب تواريخ إنتاجها تصاعديا:
“حكايات الغريب”1992،تأليف جمال الغيطانى سيناريو محمد حلمى هلال،إخراج إنعام محمد على،بطولة:محمود الجندى،حسين الإمام، شريف منير،نهلة رأفت.
“الطريق إلى إيلات”1994،سيناريو فايز غالى،إخراج إنعام محمد على،بطولة:عزت العلايلى،نبيل الحلفاوى،صلاح ذوالفقار،محمد الدفراوى،ومجموعة كبيرة من نجوم التمثيل..
“ناصر 56″1996،سيناريو محفوظ عبدالرحمن،إخراج محمد فاضل،بطولة:أحمد زكى،فردوس عبدالحميد،أمينة رزق،حسن حسنى،شعبان حسين. وقد عرض فيلم “ناصر56″بدور العرض السينمائى وحقق إيرادات بلغت نحو(15)مليون جنية تقريبا،فى حين أن ميزانية إنتاجه كانت(3)مليون جنية فقط.
وأخيرا يجب أن لا أنسى فى هذا المقام أن التليفزيون المصرى قد أنتج مئات الأفلام التسجيلية سوف أتحدث فى مقال آخر منفصل عن أهمها وعن مبدعى تلك الأفلام.
وبعد كل هذا السرد وهذه المعلومات،ألا تستحق هذه التجربة الرائدة والهامة أن نتمنى عودتها مرة أخرى على أرض الواقع، خاصة أن كل محاولات تقليدها فشلت،إن ماسبيرو بمبدعيه مازال شامخا على ضفاف نيل المحروسه، وأبنائه من المبدعين مازالوا مستعدين ومنتظرين أن تدق ساعة العمل.
بقى أن أقول أن هذه ليست بكائية،إنما أمنية أريدها أن تتحقق بعودة إنتاج التليفزيون للأفلام السينمائية،وأيضا هى دعوة منى لكل من بيده الأمر أو يعنيه الأمر أن يأخذ بأسباب نجاح تلك التجربة المعلمة،وأن يوسد الأمر لأهله حتى تستقيم الأمور،فلقد كان ثروت عكاشة ويوسف السباعى وعبدالقادر حاتم وممدوح الليثى قادة ومثقفين ومبدعين فإختاروا المبدعين يرحمكم الله.