فائق العبودي يكتب: “من يلعب بالنار .. يشم ريحتها”

قررت أن أضيف بعض الإثارة إلى الحياة، لكن، المقلب الذي خططتُ له بعناية انقلب عليّ بطريقة لم تكن في الحسبان!،
قبل شهر تقريبًا، وبحكم عشقي للمقالب، ورفع مستوى “تلطيف الجو العائلي”، طلبت عبر الإنترنت علبة سبراي تنثر رائحة كريهة، وليس أي رائحة… بل رائحة تجعل الشخص يفكر بجدية في مغادرة الكوكب. ولأنني كنت مسافرًا، أرسلت الطرد إلى عنوان أحد أصدقائي، بالاتفاق معه، دون أن أخبره طبعًا بما بداخله حفاظًا على عنصر المفاجأة (أو الصدمة)، وللحقيقة لم أتوقع ما سيحصل.
وصل الطرد، وصديقي المسكين، كأي شخص بحسن النية، استلمه ووضعه في البيت، ثم خرج للعمل مطمئنًا وكأن شيئًا لم يكن. لكن هنا بدأت فصول الشكوك والاتهامات…
دخلت زوجته إلى المنزل بعد وقت قصير، فإذا بها تُفاجَأ برائحة أشبه بمزيج من مجاري تسربت، وغازات كائن فضائي أكل وجبة فاسدة. الرائحة كانت لدرجة أنها بدأت تشك أن هناك تجربة علمية غير مشروعة تُجرى في شقتهم.
المرأة، بحسّها الأمني العالي، اتصلت بزوجها فورًا، وهي على وشك أن تطلب فرق الإطفاء: ماهذه الرائحة بالبيت؟ وهل عملت شيئاً غريباً؟
– ما بك وعن أي رائحة تتحدثين؟
– “تعال بسرعة، البيت كله ريحة غريبة… أختنقت، ربما تسرب للغاز!”
صديقي، وكأنه في مهمة إنقاذ، عاد إلى المنزل بوجه متجهم، وهو يتوقع أن يجد تسريب غازي، أو مصيبة مجهولة، حصلت بغيابه. ومجرد فتحه الباب، صفعته رائحة كريهة خليط بين الغاز والغازات المعتقة، وكما العتوي الشرس ( الهر) وبالأنف العراقي المميز، دخل يشمشم في المكان، بدأ بالمطبخ، فتح الخزانات، ثم الثلاجة، وسلة المهملات، وبعد جولة تفتيش دقيقة، في كل زاوية من زوايا المكان، يتوقف قليلاً للنقاش مع زوجته التي تكلمه من خلف منشفة سميكة غطت بها انفها بعد أن رشت عليها من عطرها الفرنسي، ثم يصول بجولة ثانية، وبعد جهدـ جهيد، أخيراً: استطاع أن يحدد مصدر الرائحة …هو ذلك الطرد المشؤوم.
لكن بدلاً من فتح الطرد، والتحقق مما بداخله مثل أي إنسان طبيعي، قرر اتخاذ إجراءات أكثر تعقيدًا… حمله بحذر شديد، وكأنه يحمل قنبلة موقوتة، ودفنه في أبعد زاوية في الشرفة، ثم وضع فوقه كرسي كغطاء أو مصد … لأن الكراسي كما تعلم معروفة بقدرتها الخارقة على منع الانفجارات!
ومع استمرار الغموض، وكوني في سفر، خطر له أن يتصل بابني لعله يعرف شيئًا عن هذا “الصندوق الأسود”. ابني، بروح الدعابة الموروثة، قال له ببساطة: ” تأكدوا من أنفسكم، ربما كثرتم بالفول!” ثم طلب منه أن يفتح الطرد ليتأكد.
لكن صديقي، بروح الأمانة والالتزام بالمبادئ، رفض قائلًا: “لا يجوز… هذه أمانة ولا أستطيع فتحها!” وكأن الطرد يحمل أسرار الدولة!
عندما عدت من السفر، جاءني بالطرد، وأخبرني بالقصة كاملة، وهو ينبهني منه ومن والتسريب الغازي المستمر، وسريعاً طلب مني أن أشمه كأنه يريد تبرئة ساحته… ضحكت كوني وجدته شخص مر بتجربة جعلته يعيد النظر في حياته. و سألني: لماذا تضحك ؟ “طيب… بالله عليك، شنو يضحكك؟ ضحكني معك”
قلت له وأنا اضحك : “ولا شيء… هذا مجرد سبراي خاص للمقالب، برائحة أسوأ الغازات!”
انفجرنا ضحكًا على ما مرّ به هو وزوجته من رعب بلا داعٍ.
وقال: إذن نحن أول من وقع في ذلك المقلب..
بعد أن ذهب، طلبت منه أن يخبر زوجته بالموضوع..
وفكرت بما قاله لي، ولكن وجدت أن دائرة البريد هي التي وقعت في المقلب أولًا، والدليل أنني وجدت دليلاً أن الطرد أرسل إلى دائرة أخرى متخصصة للكشف عن الطرود المشبوهة.
ولأنني شخص يحب التجارب والتجريب، قررت أن أفتح الطرد وأجرّب السبراي بنفسي.
رششت القليل منه وأنا متحمس، لم أشم شيئًا، زدت الرش مرة أخرى … الغريب أنني لم أشم أي شيء! قلت في نفسي: “أكيد انتهى مفعوله في بيت صديقي”، لكن، وبعد لحظات، بدأت أشعر بدوار غريب وكأنني أعيش حالة دوار البحر.
وهكذا، بدلاً من أن أصنع مقلبًا في الآخرين، انتهى بي الأمر ضحية مقلب من اختراعي، وها أنا أعيش حالة الدوار البحري، ملقى على الفراش مثل بطل تراجيدي لم يتعلم أن المقالب… سلاح ذو حدين!