د. بلال محمد على ماهر يكتب: الفرق الجوهري..!
اعتاد كثير من المتحدثين من العلماء والفقهاء، وكثير من المتعلمين والمثقفين، وعامة الناس على استخدام كلمتى الإعجاز والمعجزات، كالإعجاز العلمى فى آيات القرآن الكريم ومنها على سبيل المثال لا الحصر: انشقاق القمر، والنجم الطارق الثاقب، وألوان الجبال، ورَفع السماء بلا عمد تُرى، والأرض المَنقوصة من أطرافها، ورواسى الأرض، ومثقال الذرة، وأسراب الطير الصافات، وبيوت النحل فى الجبال والأشجار وفوائد عسل النحل فى الشفاء والغذاء والعلاج، ومساكن النمل ومستعمراته المحكمة المبهرة فى أعماق الأرض، … وغيرها من الأمم أمثال أمم البشر.
ومعجزات الأنبياء والرسل ومن أمثالها: معجزات نبى الله إبراهيم عليه السلام ــــ ذائعة الصيت ــــ عندما أخرجه ربه سالمًا آمنًا من هول النار التى أعدها له قومه ولم تحرقه وكانت بردًا وسلامًا عليه بلطف الله ورحمته، وذلك بعد أن حطم أصنامهم وأوثانهم، ودعاهم إلى الإيمان بالله والإسلام الحنيف، وترك عبادة الأصنام. وكذلك معجزة إحياء الموتى بعد أن سأل الله عز وجل أن يُريه كيف يُحيى الموتى بقدرته، فأمرهُ أن يذبح أربعةِ من الطير ويقطعها ويُفرقها على جبالٍ متفرقة، ويدعوها بعد ذلك، وبإذن الله استاجبت والتحمت وعادت إلى هيئتها الأولى على فطرة الخالق البارئ المصور، ودبت فيها الحياة.
ومعجزات رسول الله موسى ــــ عليه السلام ـــــ كعصاه المتحولة إلى حية تسعى تلتهم السحر والزيف والبهتان، وانفلاق البحر وإغراق فرعون المتجبر الكافر وجنوده، وإحياء الميت بإذن الله. ومعجزات السيد المسيح عليه السلام: كنطقه فى المهد صبيًا، وخلقه الطير من الطين، وإحيائه الموتى، وإبرائه الأكمة والأبرص، وعلمه بالغيب، وإنزاله مائدة من السماء بإذن الله. ومعجزات رسول الله محمد (ص) سواء فى القرآن الكريم أو فى السنة النبوية الشريفة، أو فى أحداث ومواقف بعينها، وأعظم معجزاته على الإطلاق هى اكتمال تنزيل آيات القرآن الكريم عليه وتلاوته له على سبع قراءات متباينة، وإعادة ترتيبه ببراعة فائقة، وتنسيقه بإتقان محكم ــــ ناسخًا ومنسوخًا ــــ من غير أى سهو أو خطأ أو نسيان، ودون أى تبديل أو تحريف أو تعديل فى جميع مراحل تنزيله وقراءته وتدوينه.
ومعجزات النبى (ص) التاريخية والاجتماعية بالغة القيمة والأهمية: كمشكلته الكبرى التى واجهته لتوحيد وتآلف قبيلتى الأوس والخزرج قبل الإسلام، فقد كانت الصراعات والحروب بينهما غاية فى الشراسة والعنف والثأر وسفك الدماء. فكان التحدى الحتمى الأكبر هو التوحيد بين القبيلتين المتنازعتين فى كيان واحد راسخ يدافع عن المدينة المنورة، ويقف مع الرسول فى خندق واحد. وتحقق أمل رسول الله (ص) بعد مجهود مضنى واجتهاد متواصل ومثابرة حثيثة، وكانت الوحدة التاريخية الراسخة التى غيرت معالم المكان والزمان، وأنارة بصيرة الإنسان بالإيمان، وتوجت مسيرة المؤمنين فى مطلع النور وهداية الإسلام فى ظلال القرآن. وكذلك معجزات النبى (ص) الغيبية السماوية المبهرة المتعددة: كالبشارة ببعثته، ورحلة الإسراء والمعراج، وانشقاق القمر، وحماية الملائكة له، وسماعه صوت أهل القبور، ومخاطبته قتلى بدر، وحَنين جذع النخلة إليه، واهتزاز جبل أحد، ونُبوع الماء من بين يديه، وإضاءة المدينة المنورة لقدومه وإظلامها لوفاته. وكذلك معجزات النبى (ص) الثقافية والمعرفية: كرؤيته الثاقبة وتوجيهاته الصائبة حينما وجه المسلمين الأوائل الفارين بدينهم وأرواحهم من بطش كفار قريش، وغلظة ساداتها بيثرب (مكه) للهجرة إلى الحبشة، واللجوء إلى ملك الأحباش «نجاشى الحبشة» الحاسم العادل، الواعى، رقيق القلب والمشاعر، فكانت المؤازرة الحميمة والفتح الكبير، وطمأنينة القلوب، وصفاء النفوس، والأمن والسكينة بعد الفزع والمطاردة.
وينبهر كثير من الناس ــــــ متحدثين ومنصتين ـــــ لهذه الإعجازات، وتلك المعجزات دون التعرف الواعى على هذين المصطلحين الشائعين تعريفًا لغويًا صحيحًا، وفهمًا علميًا وافيًا دون لبس أو سوء فهم. فصفة (المعجز) ليست صفة من صفات الله عز وجل، وليست اسمًا من أسمائه الحسنى، والاسم الصحيح فى ذلك الشأن هو «البديع» وهو اسمٌ من أسماءِ الله الحُسْنى، هو بديع السماوات والأرض، فاطِرُ الخَلْقِ مُبْتدعًا على غير مثالٍ سَبَق، والمراد هنا المنشئ الأول والخالق الأوحد. والإبداعُ الإلهيُ مُنَزهٌ عن غيره من الإبداعات، جديٌر بالتأملِ والتَدَبْر تعظيمًا وإجلالًا للذات الإلهية. وإلإبداعات الإنسانية المشروعة لا تتعدى اكتشاف ما خلق الله المُبْدع الأول لكل شيئ. والإعجاز فى خلق الله ومخلوقاته وجميع كائناته صفة أزلية جامعة، تشمل آيات القرآن الكريم، وجميع خلق الله ومخلوقاته فى كل مكان وزمان (ويخلق ما تعلمون وما لا تعلمون)، ونحن نرى أن مصطلح علوم القرآن الكريم، أو آيات القرآن الكريم أصح من معجزات القرآن الكريم ـــــ لغويًا وعلميًا وقرآنيًا ـــــ لما لها من تخصيص لإبداع الله فى القرآن الكريم عن سائر كائناته وجميع مخلوقاته.
أما كلمة الإعجاز للبشر فمصدرها «أعجز» ويعنى ارتفاع عن مدى استطاعة البشر وعدم القدرة على محاكاة المخلوقات، وامتناع الإنسان على الإتيان بمثلها، وكذلك عدم قدرته على إدراك الكثير منها وقصور علمه سوى القليل منها. وحكمة الله العليا فى خلق الإنسان هى أن يكون عبدًا موحدًا لله، وسيدًا لجميع مخلوقاته وكائناته منذ خلق الله آدم أبو البشرية، وليس لتعجيزه أو إبهاره. ومن هذا المفهوم يتبين لنا الفرق الجوهرى بين المعجزات والآيات بمقتضى حكمة الله العليا فى خلقه ومخلوقاته وهى إبداع وليس إعجاز، والإعجاز كلمة تُعزى لمخلوقاته وسائر البشر فيما بينهم للتنافس والتسابق، ولله المثل الأعلى.
إقرأ أيضا من مقالات الكتاب: سيد محمود يكتب:”الفراج” على حق ..الكرة المصرية تصدر”فضايح” فقط ..!!