مقالات

د.بلال علي ماهر يكتب: التكامل المنشود بين النقل والعقل

 

اختلفت آراء الفقهاء فى إشكالية النقل والعقل، وتنازع البعض قديمًا وحديثًا بسبب هذا الاختلاف فى مجالات متعددة، ومن أهمها نقل التراث، وعلى وجه الخصوص التراث الإسلامى.  وقبل الخوض فى هذه الإشكالية وإبداء الرأى فيها يجب التعرف على مصطلحاتها الواجبة التعريف وهى:  النقل الموثق، والتأويل بالعقل، والتكامل المنشود.

فالنقل الموثق يطلق على ما نُقل إلينا من تراث السابقين، وعلى وجه التخصيص كلام الله المنقول من الكتاب والسنة الصحيحة وحيًا وإلهامًا.  وكل ما هو قَطْعي الدلالة واضح البرهان جَلي الحُجة يعتمد على النقل دون العقل، وهو واجب الاتباع دون تبديل أو تأويل.  أما المتشابهات وآيات العلوم المتجددة، والظواهر الكونية المبهرة، فجميعها تعتمد على النقل والعقل، والتدبر والتأويل والتفسير، يُكَمِل بعضها بعضًا، تطلعًا للتكامل المنشود.

والتأويل بالعقل مَلَكة ربانية وهبها الله لعباده كى يُمَيزوا بها الآيات والأحكام، والعقل هو مصدرها،  ونَستدل على ذلك من إشارات القرآن الكريم من مثل:  أفلا يعقلون، أفلا يتدبرون، أفلا يتفكرون، أفلا ينظرون، أفلا يتذكرون.  ومجمل هذه الإشارات تحتاج إلى النقل والعقل دون تجاوز الراسخين فى العلم توثيقًا وتحقيقًا.  وفى جميع الأحوال يجب ذِكر أمثلة واقعية دقيقة عند التحدث فى مسائل النقل والعقل، فلكل مسألة مُعطياتِها ومُحَدِداتِها، ولا يجوز إبداء الآراء المُرْسَلة دون تخصيص وتدقيق.  والتفاصيل الجزئية لكل مسألة تُغني عن الجدال العقيم، وتُبْطِلُهُ، ومعايير الضوابط العلمية تُحَجِم هذا الجدال وتَحْسِمُه.

أما التكامل فهو حكمة إلهية عًليا، سخر الله جميع مخلوقاته وكائناته عليه بمقتضى مشيئته ورحمته التى وسعت كل شيئ، ولله المثل الأعلى، بديع السموات والأرض من مثل:  التكامل بين الذكر والأنثى، والتكامل بين الماء والنار، والتكامل بين الجَذب والطَرد، والتكامل بين السالب والموجب، والتكامل بين البَرِ والبَحر، والتكامل بين السماء والأرض، والتكامل بين الفرع والأصل، والتكامل بين النظرية والتطبيق، والتكامل بين الفكر والواقع، والتكامل بين المفروض والمعقول، والتكامل بين المتاح والمنشود، والتكامل بين الخيال والواقع، والتكامل بين الإمكانات والأهداف،… وغيرها.  والتكامل علم بالغ القيمة والأهمية فى جميع المجالات الحيوية، والدراسات المتقدمة.

وبالرغم من ذلك كله انقسم الناس قديمًا وحديثًا ـــوما زالوا منقسمينـــ إلى فريقين:  أولهما يدعو إلى النقل ـــالسلفيةـــ دون العقل، وثانيهما يدعو إلى التواصل والتكامل بين النقل والعقل ـــالسلفية والحداثةـــ والتفسير والتأويل.  ونحن نرى أن تكامل النقل والعقل، والتواصل بينهما ـــعلى هدى وبصيرةـــ هو المنهج المنشود، وخير دليل على ذلك التكامل والتواصل الحميم بين الكتاب والسنة كما أراد الله لهما بمقتضى مشيئته وحكمته العليا، وهو خير مثال وخير دعوة.

اعلان اسفل محتوى المقال

admin

الصحافة والإعلام..موقع عربي متخصص فى الثقافة والفنون والرياضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock