دكتور بلال علي ماهر يكتب: مفهوم التراث الشامل والتراث الديني

التراث البشرى هو مجمل المنجزات المادية والمعنوية التى صاحبت مسيرة الأمم والشعوب على مدار تاريخها، وهو كل ما وصل إلينا مدونًا فى علم من العلوم، أو محسوسًا فى فن من الفنون مما أنجزته البشرية عبر  العصور،  ويشمل آداب، وعلوم، وثقافات، وقيم، ورؤى.  ولا يقتصر التراث على موروثات الماضى، ولكنه امتداد معاصر له آثاره ومنجزاته فى جميع مجالات الحياة.  والتراث نوعان:  تراث مادى ملموس.

ويطلق على كل ما يدركه المرء بحواسه، وتراث فكرى معنوى ويطلق على كل ما يدركه المرء بعقله ووجدانه، غير أن مصطلح «التراث الدينى» تعرض لإشكاليات عديدة فى مفهومه ودلالاته، وهذا المصطلح يجب أن يتسع ليشمل كل ما أنجزته الحضارات والمجتمعات المنتمية للشرائع السماوية.  ولكننا نشهد فى هذه الآونة اختزالًا لمفهوم «التراث الدينى» والذى يقتصر على بعض الدراسات الكهنوتية واللاهوتية، والعلوم الشرعية،  ككتب: التفسير والعقائد، والفقه وأصوله، وأصول الأحاديث والمرويات، ودراسات التصوف، وكتب التاريخ أحيانًا.

وهناك التباس كبير فى تضمين الوحى والإلهام لهذا المصطلح، واعتبار الكتب السماوية جزءًا منه ـــ كالقرآن والإنجيل والتوراة  فيجب عدم دمج الوحى والإلهام مع التراث البشرى فهو مفارق له ومغاير فى جوهره لأن التراث إنجاز من صنع البشر.  ويمكن إخضاع التراث الدينى للنقد والتنقية والتحسين مع تجنيب نصوص الوحى والإلهام المنزهة عن ذلك التقويم.  فحدود التنزيه واضحة تنطبق على الآيات الإلهية المنزهة ـــ وعلى وجه الخصوص آيات القرآن الكريم، وأحاديث السنة النبوية المطهرة ـــ دون غيرها، ولا يَنسحب هذا إلى تنزيه التراث البشرى غير المقدس.  وجميع العلوم البشرية تعد دراسات تاريخية خاصة بالشرائع السماوية والأنبياء والناس، وهى علوم تراثية.  أما الوحى والإلهام فهو أمر إلهى خالص يختص الله به من يشاء من عباده كالأنبياء، والمرسلين، والأولياء، وبعض الصالحين المختارين، وهذا الأمر مجاوز للتاريخ، وليس من التراث فى شيئ.  والأصل فى الوحى والإلهام التحرر من تراث البشرية، ولابد من تعزيز هذا المفهوم فى الأوساط الفكرية والثقافية والدينية والبحثية، وفى جميع المجالات العلمية، والتخصصات الأكاديمية، والمراحل التعليمية.  وإدراك هذا الالتباس يعود بالنفع وتقويم مفهوم التراث، وهو منارة فكرية مضيئة،  ومفهوم جوهرى مستنير.

 

Exit mobile version