دكتور بلال علي ماهر يكتب: بِدعة تَصْنيف المسلم بين سُني وشِيعي
admin
انقسم المسلمون قديمًا وحديثًا إلى فرق وشِيع لا أساس لها فى دين الإسلام الحنيف، وهى بدعة صَنَفت المسلمين إلى فريقين ــ بعمد أو بغير عمد ــ أهل السنة، وأهل الشيعة. ولعبت الدوافع السياسية، والأطماع الاقتصادية، والتعصب الدينى دورًا محوريًا فى ترويج هذه البدع المستحدثة. ولم يَرِد فى القرآن الكريم أو السنة المطهرة اسم أهل السنة أو الشيعة، وإنما ورد اسم المسلمين والإسلام منذ آدم (عليه السلام) حتى محمد (ص)، كقوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة 3]. وقوله ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام162ـــ163]. ولم يترك محمد (ص) للمسلمين شيئًا للتمسك به غير الكتاب والسنة، وعترته آل بيته درءًا للفتن، والنجاة من التشيع والضلال. ولم يَصِف نفسه بالسنى، ولم يَصِفْه اللهُ والناس بتلك الصفة، وإنما كانت صفاته: العبد، والرسول، والصادق، والأمين، والخاتم، والشفيع، والمُشَفَع، والمصطفى،… وغيرها
من الصفات. ولم يَصِف محمد (ص) آل بيته بالشيعة، وإنما هم آل بيته وعترته. ولم يصف أئمة آل البيت وذريتهم أنفسهم بالشيعة، ولو سُئِلوا عن هذا التصنيف البِدعي لاستنكروه وتَمَلصوا منه. وكذلك أصحاب السُنن، وفقهاء الأمة لم يصفوا أنفسهم بأهل السنة أو الشيعة، أو غير ذلك. والمسلم الحقيقى لا يؤمن إلا بالكتاب والسنة، يمتثل لأحكامها، ويَنْهل من علومهما من أقطاب الفقه، وأهل الذكر الراسخين فى العلم. وقد ورد وصف شِيعًا لِذم المشركين فى قوله تعالى ﴿ولا تكونوا مِنَ المشركين الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم31ـــ32]. ونتيجة الخلافات بين الفرق والمذاهب، وتفاقم النزاعات والحروب بين المسلمين قديمًا وحديثًا ينادي بعض المسلمين المُغالين بالعودة إلى الكتاب من غير سنة (القرآنيون)، كما ينادي بعض العجم والأجانب (من غير علم ودراية) بالعودة إلى الكتاب والسنة مباشرة، وترك جميع المذاهب والطرق، والتخلص من مصادر التراث الإسلامى درءًا للنزاعات، وتفاديًا للخلافات. وهذا مفهوم خاطئ، ومنطق ساذج، فلا إسلام بغير الكتاب والسنة ومصادر التراث المعتمدة.
والكتاب محفوظ بأمر الله، والسنة باقية بقُدْرَته، وجميع العلوم التراثية فى مجملها راسخةٌ باقيةٌ، نَهَض بتدوينها وحِفْظِها ونشرها أجيال متتابعة، ابتداءً من آل البيت والصحابة، وانتهاءً بجمهور العلماء والفقهاء الراسخين فى العلم، والتابعين وتابع التابعين بإحسان. وبالرغم من جميع النزاعات والخلافات يجب على كل مسلم التوجس والحذر من دعاة الازدراء والتحقير لتراث الأمة، والتشهير بأعْلامِها، وتحفيز الاجتهاد والبحث بحياد وموضوعية، والنقد البناء، وتعزيز التوافق بين النقل والعقل، فالتراث الإسلامى غير مقدس، قابل للمراجعة والتقويم. ولا يجوز تصنيف المسلمين لفرق وشيع بِدْعية من غير دليل من الكتاب والسنة، وإنما يجوز تصنيف المسألة الواحدة من مذهب واحد أو مرجع واحد، والأخذ بجميع الآراء والفتاوى من جميع المذاهب والمصادر المعتمدة من المؤسسات الإسلامية العالمية ـــ قديمًا وحديثًاــ دون ريبة، ودون تعصب أو تمييز درءًا للمفسدة وجلبًا للمصلحة، فاختلاف الأئمة رحمة، والدين يسر لا عسر.