الثالوث الحضارى لعناق النص الدينى مع الحقائق التاريخية والإبداعات الأدبية والفنية هو ضرورة حتمية لتحقيق التوازن والتكامل المأمول لاستثمار الأعمال الدرامية والأدبية بكافة أشكالها وأنواعها لخدمة قضايانا المعاصرة وطرح الحلول الممكنة والمناسبة لمشكلاتنا المجتمعية. ومن خلال متابعتنا لكثير من الأعمال الدرامية الإذاعية والتليفزيونية والسينمائية والمسرحية والتى يمكن تصنيفها للمتلقي المعاصر قارئ/مستمع/مشاهد على النحو التالى: أعمال درامية وأدبية متقنة، وأعمال درامية وأدبية غير متقنة.
فالأعمال الدرامية المتقنة ـــ من وجهة نظرنا ــــ هى الأعمال المشغولة بعناية ودقة دون مخالفة لجوهر النصوص الدينية شكلًا ومضمونًا، والتى لا يجمح فيها خيال الكاتب فيما ليس فيه نص ولا يجور فيها الخيال الأدبى أو الفنى على الحقائق التاريخية والثقافات المجتمعية. ومن أمثلة هذه الأعمال الدرامية المسلسل التليفزيونى التاريخى الدينى «يوسف الصديق» والفيلم الإسلامى العالمى «الرسالة» والتمثيليات الإذاعية لمسلسل رمضان الدينى التاريخى «أحسن القصص» الذى أعده الكاتب الإسلامى الكبير والمبدع الدرامى الراحل الأستاذ/ محمد على ماهر (يرحمه الله) وأخرجه لإذاعة البرنامج العام المخرج القدير الراحل الأستاذ/ يوسف الحطاب (يرحمه الله) عبر سنوات طويلة، والتى تتناول قصص الأنبياء والمرسلين مع أقوامهم من خلال الحوار القرآنى بين الأنبياء والمرسلين، وبين الأنبياء وأقوامهم. ومنها مانشر حديثًا فى كتاب «آدم أبو البشرية»، وكتاب «المسيح عليه السلام». والكاتب الإسلامى/ محمد على ماهر فى مجمل أعماله المنهجية الدرامية التزم السياق القرآنى المعبر، وتناص الآيات وتناسقها المحكم مع كل حدث وقصة، وانسجام كل آية مع كل موقف وعبرة.
أما الأعمال الدرامية غير المتقنة فهى الأعمال الدرامية التى تنحرف عن جوهر النصوص الدينية شكلًا أو موضوعًا أو كلاهما، وكذلك الأعمال التى تتعرض لأحداث ومواقف تاريخية خاطئة، والتى تؤدي فى كثير من الأحيان إلى ضعفٍ النص، وركاكةٍ السياق الدرامى، فلا يجوز للخيال الفنى للكاتب أن يجور على الحقائق التاريخية، وعلى وجه الخصوص الأعمال الدرامية التى تتناول قصصًا دينيًا وأعلامًا تاريخية. ومن أمثلة هذه الأعمال فيلم «الناصر صلاح الدين» للمخرج يوسف شاهين والمنتجة آسيا، وفيه شخصية المجاهد «عيسى العوام» العربى نصرانى الديانة يحارب فى صفوف المسلمين ضد الصليبيين الغزاة. ويرتبط العوام عاطفيًا بالفارسة الصليبية لويزا ويتزوجها ــــ وهذا غير صحيح تاريخيًا ــــ فعيسى العوام عربى مسلم، وخيال الكاتب هنا يخالف حقيقة تاريخية. وكذلك المسلسل التليفزيونى «رجل الأقدار.. عمرو بن العاص» تأليف سامى غنيم، ومن إخراج وفيق وجدى، وفيه أيضًا مغالطة تاريخية وهى زواج عمرو بن العاص من زوجة أخيه بعد استشهاده فى موقعة أجنادين (اليرموك) وهذا غير صحيح، فقد كانت زوجته الأولى تدعى ريطة، والثانية خولة، والثالثة أم كلثوم وليس فيهن زوجة أخيه الشهيد. وأيضًا المسلسل التليفزيونى «عمر بن عبد العزيز» الذى أخرجه أحمد توفيق، فقد تمكن كاتب المسلسل عبد السلام أمين من تضمينه كثيرًا من الحوارات الحقيقية كما جاءت فى المراجع التاريخية، لكن أحداث المسلسل لم تخل من بعض الأخطاء التاريخية منها: ورود ذكر بغداد فى بعض حوارات المسلسل، كما كانت فى بيت المال خزانة عليها لوحة كتب عليها »بغداد« وهذا غير صحيح تاريخيًا، فمدينة بغداد لم تكن موجودة فى عهد عمر بن عبد العزيز، ولكنها شُيّدت فى عهد الخليفة العباسى أبى جعفر المنصور، أى بعد وفاة عمر بن عبد العزيز بأكثر من خمسين عامًا. كذلك ورود أكثر من مرة على لسان عبد الملك بن مروان أن دولته تمتد من الصين إلى بحر المحيط (أى المحيط الأطلسى(، وهذا غير صحيح تاريخيًا، فأقصى اتساع للدولة الإسلامية فى عهد عبد الملك بن مروان كان إلى أفغانستان شرقًا وإلى الجزائر غربًا، ولم يصل المسلمون إلى بلاد الصين، والسند (إحدى أقاليم باكستان الكبرى)، والهند، والمغرب العربى (ليبيا، والجزائر، والمغرب، وتونس، وموريتانيا)، وبلاد الأندلس (شبه الجزيرة الأيبيرية، وهى إسبانيا والبرتغال حاليًا)، إلا فى زمن الوليد بن عبد الملك. ولا ندرى أيضًا كيف يعزل الوليد بن عبد الملك الأمير عمر بن عبد العزيز عن ولاية «خناصرة« خشية افتتان الناس به، وهى قرية صغيرة شمال الشام، ثم بعد ذلك يعينه واليًا على المدينة المنورة، ومكة المكرمة، والحجاز وهى أهم وأقدس الولايات الإسلامية، ويبقيه فيها ست سنوات متتالية استنادًا للمصادر التاريخية.
والالتزام بجوهر النصوص الدينية ضرورة حتمية، وتوثيق الأحداث التاريخية مسئولية أدبية لدواعى المصداقية والواقعية، وتعظيم فعالية التواصل بين المنتج الدرامى مسرحية/مسلسل/فيلم، والمتلقي القارئ/المستمع/المشاهد. وتجاوز النصوص الدينية، وجموح خيال الكاتب عن الحقائق التاريخية تؤدى إلى ركاكة العمل الدرامى، وفقدان المصداقية والواقعية، كما تؤدي إلى فقدان المتلقي للتذوق والتشوق، والإحساس بالرتابة واضمحلال فعالية التواصل.