دكتور بلال علي ماهر يكتب:الحقيقة في مفهوم الكرسي والعرش

تناولت كثير من المراجع والتفاسير قديمًا وحديثًا المقصود بالكرسى والعرش فى آيات القرآن الكريم، كما تداول عديد من المتحدثين مَدلولَهما والفرق بينهما، وبالرغم من ذلك نرى أن هناك بعض اللبس وعدم البيان الكافى لهذا المفهوم، جليل القدر عظيم المعنى. وقد أخطأ من جعلهما شيئًا واحدًا، ونظرًا لشيوع اللبس والخلط بينهما، وبالرجوع لأقوال بعض العلماء والمفسرين شرعنا ــــ قدر المستطاع ـــ فى بيان المعنى المقصود، والمفهوم الصحيح، والفرق الجوهرى بين كلٍ منهما. فالكرسى هو ملكوت الكون الذى وسع السموات والأرض، وهو خاص بالصفات الإلهية الفاعلة فى تدبير شئون خلق الله، والقدرات الربانية المهيمنة على تَسيير مخلوقاته.
وكما جاء فى آية الكرسى ﴿وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما﴾ (البقرة 255) وكما قال المفسرون الكرسى مخلوق عظيم فوق السماء السابعة، والمقصود أحاط كرسيه بالسموات والأرض على سِعَتهما وعِظَمِهما ولا يُعجزه حِفظهما.أما العرش فهو أعظم المخلوقات قدرًا، وهو فوق الماء، والله فوق العرش، وكما جاء فى صحيح ابن حبان قول رسول الله (ص) “فضل العرش على الكرسى مع السموات السبع كفضل الفلاة” (الصحراء الواسعة) على الحلقة. وكما قال الحق تبارك وتعالى ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ (طه آية 5).
وكما قال أيضًا ﴿إن ربكم الله الذى خلق السموات فى ستة أيام ثم استوى على العرش﴾ (الأعراف آية 54)، واستوى بمعنى علا وارتفع، استواء يليق بجلاله. وعرش الرحمن مما لا يَعلمه البشر إلا بالإسم وليس بالتصور أو التخيل، وصفته بلا كيف ولا انحصار، ولا تشبيه ولا تمثيل، والإيمان به واجب كما ورد، وتفويض العلم بحقيقته أولى. وعرش الرحمن خاص بأنوار الذات الإلهية وتجلياتها، وهو يعلو ولا يعلى عليه، وتحمله ثمانية من الملائكة إذا نُفِخ فى الصور كما قال الحق تبارك وتعالى ﴿ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية﴾ (الحاقة آية 17). فإذا قامت الساعة وفَني جميع من فى الكون ـــ بأمر الله ـــ يكون منتهاه كما شاء الله له أن يكون، وعِلْمه عند خالقه.