جيهان عبد اللطيف تكتب: “البداية”.. فانتازيا الديكتاتورية
يعد فيلم للمخرج صلاح أبو سيف والمؤلف لينين الرملى واحداً من أهم الأفلام التى تم عرضها فى السينما المصرية وكان عرضه الأول عام 1986.
أهم ما يلفت النظر فى مقدمة الفيلم العبارة التى كتبها المخرج “كان هدفي أن اقدم لكم فيلماً ليس له علاقة بالواقع، لكن الطبع يغلب التطبع، فاذا بالفيلم يصبح واحداً من أفلامي الواقعية”. يتضح معنى العبارة بعد انتهاء الفيلم حيث يبدو الفيلم كأنه فانتازيا رمزية ولكن تلك الرمزية شديدة الصلة بالواقع .
اسم الفيلم فى حد ذاته ” البداية” يشير إلى وجود حدث هام سوف يبدأ وعلى المشاهد أن يقوم بتوجيه جميع حواسه للتركيز على إدراك أهمية الحدث.
تدور أحداث الفيلم حول هبوط طائرة اضطراريا ً وهروب جميع الركاب منها قبل انفجارها فى الصحراء بالقرب من إحدى الواحات ويحتوى الركاب على نماذج مختلفة من المجتمع منهم الفنان المثقف والفلاح والصحفية ورجل الأعمال ولاعب البوكس وعالمة الفزياء والطفل بطل الكاراتيه بالإضافة إلى طاقم الطائرة . انها البداية مثل آدم حين هبط على أرض بلا زرع ولا ماء ولكن بعد مشقة السير فى الصحراء يصلون إلى واحة بها عين ماء ونخيل بلح ، فيصبح طعامهم الوحيد هو البلح . ولكن البداية لم تكن مجرد بداية الحياة ولكنها أيضاً بداية مجتمع له قوانين تحكمه. وكما هى العادة فى المجتمعات البشرية يسيطر نفوذ المال على أفراده .
فكانت تلك هى البداية حيث بدأت جذور الدكتاتورية تنمو سريعاً وتتوغل من خلا شخصية ” نبيه” رجل الأعمال الذى يؤمن بأن كل شىء فى الدنيا يخضع للمال وأنه هو المسيطر على حياة اليشر ولكن المال وحده لا يكفى لظهور الدكتاتورية ولكنه فرض سيطرته بالسلاح الذه يخشاه الجميع حرضاً على الحياة حتى ولو كانت على أرض خالية من الرزق … لقد أخرج “نبيه” مسدسه وهدد الجميع بالقتل بعدما قاموا على سبيل اللهو بالمقامرة على من يمتلك الجزيرة وفاز هو فى تلك اللعبة وقام بتحويلها إلى حقيقة تحت تهديد السلاح .
إن الجهل والخوف والطمع من أهم عوامل استفحال الدكتاتورية … نجد هنا أن “نبيه” يستغل جهل الفلاح ولاعب الملاكمة ليقنعهما بأن الدكتاتورية هى كفر وإلحاد وبالتالى يتهمون الفنان التشكيلى المثقف”عادل” بالكفر وذلك هو الحال بين الحكومات الديكناتورية والشعوب المقهورة فالحكام يبدأون بمطهر من مظاهر الديمقراطية ولكنها مجرد لعبة مثل التى لعبها “نبيه” مع رفاقه على أرض الواحة ولكن عندما أصبحت اللعبة حقيقة وفاز بحكم الجزيرة ظهر حكمه المستبد حيث سخرهم جميعاً للعمل من أجله فيبنون له بيتاً به سبل الرفاهية فى حدود ما تسمح به الإمكانيات على أرض الجزيرة ويتمامون هم فى الخلاء ويأتون له بالطعام الوحيد المتوفر على الجزيرة بكميات تزيد عن حاجته ولكنه يحدد لهم طعامهم بعدد محدود جدا من البلح .
علاوة على ذلك فهو يستغل ذكائه وتظاهره بالود تجاه الآخرين للسيطرة على من حوله فهو يستغل الفلاح طالع النخل فى جمع الغذاء والملاكم يصبح رجل الأمن الذى يؤمن حياة الديكتاتور ويبطش بكل من يخالفه ويوهم ” نبيه” عالمة الذرة بحبه ورغبته فى الزواج منها وذلك لأن العلم قد يفتح أبوباً جديدة للحصول على موارد الأرض الغنية بالمعادن النفيسة. والصحفية الشخصية المتلونة تبعاً للظروف الجزيرة فيجعلها المسئولة عن حملة الدعاية وتصدر مجلة حائط تسيطر من خلالها على عقول سكان الجزيرة لصالحه. ومن خلال الفانتازيا فى الفيلم يظهر مشهد التليفزيون وتخدير العقول ببرامج تافهة حتى ينشغل الشعب عن مشاكل بلاده الأساسية ولا يقاوم ظلم الحكام.
وبما أن الفيلم فانتازيا فقد افترض المخرج وجود تليفزيون فى بيت” نبيه ” وسكان الجزيرة هم القائمين على العمل فيه . يطهر من خلال الفقرات سيطرة الاعلام على عقول البشر وخداعهم من خلال أفلام تافهة وبرامج ما هى الا دعاية للحاكم وتظهر الحياة وردية جميلة برغم الفقر والقهروالدكتاتورية.
ولكن لا يستقيم الوضع على ما هو عليه للنهاية فإن طنع وديكتاتورية ” نبيه” لم تعد فقط فى المال والسلطة ولكن فى ملذات النساء حيث يحاول اغتصاب المضيفة ” آمال” التى تميل إلى عدوه الديمقراطى ” عادل” من هنا تبدأ انتفاضة أهل الجزيرة دفاعاً عن الشرف ولكن ” نبيه” يحاول قتل ” عادل” رمز الديمقراطية والشعبية خاصة عندما بدأ يدرك الجهلاء معنى الديمقراطية الحقيقى ويحرق الواحة حتى لا يحكمها ولا يهنأ بها أحد غيره ويجرى هرباً من بطش أهل الواحة به. فهذا هو حال حاكم الديكتاتور فهو لا يتورع عن حرق بلده وأهلها فى سبيل مصلحته الشخصية.
فى النهاية تأتى طائرة لإنقاذهم جميعاً ماعدا ” نبيه” الذى ظل هارباً فلم يلحق بالطائرة وعاش ديكتاتوراً على أرض خالية من السكان. وهذا هو مغزى الفيلم فلا زال الأمل موجوداً فى إنقاذ الشعوب وطرد كل رموز الدكتاتورية من حياتنا ولكن لا ننسى أن اليكتاتور لم يمت ومتوقع أن يظهر مرة أخرى على أرض أخرى.
تكمن أهمية فيلم “البداية” فى أنه قد يبدو فيلماً بسيطاً فنتازيا يجذب كل فئات الجمهور لمشاهدته ومن يزرع داخلهم فكرة الديمقراطية والحرية بشكل مبسط مع آداء تمثيلى موفق جداً لكل المشاركين فى الفيلم.