تراجيديا الحب والثأر في مسرحية «عرس القمر»

بقلم  : د. عبد السلام دخان

قدمت فرقة “لمسة فن” المغربية مؤخرا عرضا مسرحيا بعنوان «عرس القمر» ضمن جولة فنية شملت عددا من المدن المغربية، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة – برسم الموسم المسرحي 2025/2026. ويأتي هذا العرض كتجربة فنية معاصرة تقوم على الاشتغال الدراماتورجي لنص الشاعر الإسباني فيديريكو غارسيا لوركا بعنوان «عرس الدم»، وهي تراجيديا مستوحاة من حادثة واقعية. يتناول النص زواجا تقليديا تنهار أركانه حين تهرب العروس مع حبيبها القديم ليوناردو، ما يؤدي إلى مواجهة دموية تنتهي بالموت. ويجمع النص بين شخصيات واقعية ورموز أسطورية، مثل القمر والموت، في لغة شعرية مشبعة بالصور والاستعارات، لتسليط الضوء على صراع الحب والتقاليد، مع حضور القدر والموت كقوى حتمية، ما يمنح العمل طابعا كونيا يتجاوز أبعاده المحلية، ويجعله علامة بارزة في المسرح الإسباني والانساني.
انطلق المؤلف والمخرج الدكتور محمد زيطان من أرضية درامية ثرية تتجسد في ثيمتي الحب والثأر، مستفيدا من السياق الأندلسي الموشّى بالعادات والتقاليد المتوارثة، ليقدم رؤية مسرحية تعكس آثار الحرب والقمع على القيم الإنسانية والحضارية. وقد اعتمد النص على شخصيات متعددة الطباع والرغبات تدخل في صراع متنام على امتداد العرض، يتجاوز الإطار الاجتماعي ليغوص في الأبعاد النفسية والوجودية. ويبرز العمل المآسي الناتجة عن العادات المتجذرة في الوعي الجمعي، حيث تتحول المرأة إلى محور التوتر، محرومة من الاستقرار والحب، تحت وطأة قدر محتوم يلاحقها بصمت.
تميز العرض بجمالية فرجوية تراعي الطابع التراجيدي للنص، إذ صاغ المخرج رؤية بصرية وشاعرية تتقاطع فيها عناصر السينما والرقص والشعر، مع اعتماد تقنية المشاهد القصيرة والسريعة، التي تجعل الشخصيات مندفعة منذ البداية نحو مصير محتوم. وقد دعم هذا النهج سينوغرافيا اقتصادية، تمثلت في خلفية ترابية وكراس خشبية صالحة لطقوس العزاء والعرس، مصحوبة بإضاءة قاتمة وموسيقى مستوحاة من الفلامينكو، مما أضفى على المشهد أبعادا جمالية وعاطفية متكاملة.
واتسم الأداء التمثيلي بالانسجام مع طبيعة النص الشاعرية، إذ حرص المخرج على اعتماد اللغة العربية كوسيط قادر على حمل البعد الدرامي والجمالي للعمل، مع الانفتاح على الوسائط البصرية من خلال توظيف تقنية المابينغ، لتصبح لغة الجسد والخطاب المشهدي موازية للغة النص، مضفية على العرض بعدا معاصرا يجمع بين التراثي والحداثي في آن واحد.
شارك في العرض مجموعة من الفنانين الشباب، منهم: سلمى المختاري، نهيلة نايت الحيان، ثرية بوهالي، أسامة العروسي، رضى لمنادي، أحمد بارودي، وأنس بوزكرين. وتولت صفاء علالي تصميم السينوغرافيا والملابس، وسارة السفياني مساعدة الإخراج، فيما أشرف معاد بياري على الجوانب التقنية والإضاءة، وتركت إدارة الفرقة والمحافظة العامة لخالد الخطبي. أما الدراماتورجيا والإخراج، فقد تكفل بهما محمد زيطان، الذي قدم رؤية فنية متكاملة تستند إلى خبرته وحسه الجمالي، لتجعل من «عرس القمر» تجربة مسرحية مغربية واعدة تعكس حيوية المشهد المسرحي الراهن، وتؤكد قدرة المسرح المغربي على استيعاب النصوص العالمية وتقديمها في سياق محلي متجدد.

Exit mobile version