سيد محمود
كثيرون حاربوا العندليب عبد الحليم حافظ فى مسيرته، فقد كاد أن يتوقف حلمه فى البدايات عندما رفض الجمهور أن يستمع الى أغانيه ، وهو نفس الموقف الذى تعرض له بعد نجاحه بسنوات عندما غنى قارئة الفنجان وأخذ الجمهور فى الصفير ، ولم يتوقف بل رد عليهم “وأنا كمان بعرف أصفر” .
فى 21 من شهر يونو 1929 ولد عبد الحليم على شبانة فى منزل ريفى بسيط بقرية الحلوات محافظة الشرقية ،نشأته المتواضعة والتى بدأت بتربيته يتيما وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل ومحمد وعليا. توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة، أى إنه عاش طفولة صنعت منه إنسانا قادرا على مواجهة الحياة بكل حلوها ومرها ، وهى التى جعلت منه وهو فى بداياته قادرا على مواجهة الحروب الكثيرة التى تعرض لها ،ورفض قبول الجمهور لأول أغنياته “صافينى مرة” والتى قدمها مع محمد الموجى بعد أن تم إجازته رسميا فى الإذاعة المصرية بقصيدة ” لقاء” .
لم يكن عبد الحليم يعلم فى بداياته إن القدر سيضعه على قائمة الغناء العربى ،وان يصبح المتحدث الرسمى لحال المصريين فى احزانهم ،وافراحهم، فى النكسة ،والإنتصار ،فتتحول أغنياته الوطنية فى النكسة إلى مهدئات وباعث على الأمل فى الإنتصار من ” عدى النهار” مع رفيق المسيرة عبد الرحمن الأبنودى ، والحان بليغ حمدى،والتى قدمها فى عام 1967،وحتى أغنيات مثل ” عاش اللى قال فى الإنتصار عام 1973،للشاعر محمد حمزة وبليغ أيضا .
230 أغنية قدمها فى السنوات من 52 وحتى رحيله، عبرت عن ما عاشته أجيال من المصريين،أغنيات عبرت عن روح المراحل التى مرت بها مصر،شارك فى صناعتها كبار المبدعين .
ويمكن القول إن موهبة عبد الحليم تفجرت بعد اول صدمة تلقاها ،فبعد أزمته فى ” صافينى مرة” التى كتبها سمير محجوب، ورفضها الجمهور فى عام 1952، ولأنه كان عنيدا فقد أراد أم يؤكد للجميع أن الأغنية ليست هى السبب فى الهجوم عليه فى حينها ، فقدمها بعدها بعام فى حفل ناجح ، ولتكون نقطة التحول المهمة فيصبح حديث الناس ويقدم عدد من الأغنيات تلقى صدى كبيرا ومنها على قد الشوق” مع كمال الطويل صديق معهد الموسيقى، ثم يقدم حفله الرسمى من ليالى اضواء المدينة فى عام 1953 ، بحديقة الأندلس، والتى أعلن فيها بقيام الجمهورية ،وعرف حتى على المستوى الرسمى ،وبدا الرئيس جمال عبد الناصر يعجب بصوته ، حتى قدم له اغنية خاصة وهى “إحنا الشعب” التى جمعت بين صلاح جاهين وكمال الطويل وصوته ، فى عام 56 ، وكعادة مخرجى السينما يتلقفون أى موهبة وبخاصة فى مجال الغناء ،فكان صعوده السينمائى مبكرا ، إذ أن بداياته كمطرب فى مطلع الخمسينات لا تؤهله لأن يصبح نجما سينمائيا فى ثلاث أو اربع سنوات ، حيث قدم أول افلامه “لحن الوفاء” فى عام 1955 ، ومنه تعرف على شادية ،ووصفته الصحافة آنذاك بانه نجم المستقبل،وتم تصويره فى خمسة اسابيع فى ستديو جلال،عرض فى سينما الكورسال، وحقق نجاحا كبيرا فى القاهرة والأسكندرية .
موهبته وضعته على سلم المجد، لم يزاحم أحد حتى أن كل النجوم كانوا يفتخرون بأنهم يشاركونه الصعود ،شادية ، فاتن حمامة ، سعاد حسنى، عمر الشريف، أحمد رمزى، نادية لطفى التى كانت لها حكايات كثيرة معه، دعمت مسيرته، ووقفت بجانبه ، ومثلت معه الخطايا، وابى فوق الشجرة ، وكثيرون عاشوا معه،ولم ينافسهم أو ينافسوه .
لم تتوقف نجاحاته حتى فى سنوات النكسة التى عاشتها مصر والعالم العربى ، بل كان الصوت الأكثر تعبيرا عن حال الشعب مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم ، ويعد أكثر مطرب مصرى يقدم اغنيات وطنية ،وبخاصة فى لقاءاته بالأبنودى ، ومحمد عبد الوهاب، ثم بليغ حمدى ، وصلاح جاهين ، ومحمد حمزة، بأغنيات مثل ” وطنى الأكبر ” و” صورة” واحلف بسماها، والبندقية .
ليس من السهل رصد مسيرته الغنائية فى سطور ، فلم يترك شاعرا أو ملحنا شهيرا إلا وتعاون معه ، وفى السينما رغم أن عدد افلامه 16 فيلما إنها كانت مع عمالقة السينما، وفيها قدم أجمل اغنياته ، أفلامه بعد ” لحن الوفاة” توالت بشكل أدهش الجميع فقد قدم فى عام 1955 أربعة افلام ، “أيامنا الحلوة” مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة ، وليالى الحب ، ووايام وليالى ، ثم فى 56 قدم أفلام موعد غرام ودليلية ،وفى 57 افلام بنات اليوم ، ووالوسادة الخالية ، ووفتى أحلامى ، ثم بد
أ يقدم فيلم واحد فى العام ، وفى 58 قدم شارع الحب ، وفى 59 فيلم حكاية حب ، ثم البنات والصيف ، 1960 ، وفى عام 1961 فيلم يوم من عمرى وبعده الخطايا ، توقف بسبب مرضه والظروف السياسية حتى قدم فى عام 67 فيلم معبودة الجماهير، واختتم مسيرته السينمائية بفيلم ” أبى فوق الشجرة،فى عام 1969 ،وكان له مسلسل إذاعى واحد هو ” ارجوك لا تفهمنى بسرعة” تم تسجيلة على مرحلتين ، قبل حرب 1973 بعدة ايام ثم أنشغل بأغنيات الحرب ،وإستكمل بعد ذلك .
مسيرة العندليب بها الكثير من الحكايات عن الأغنية والسينما ، عن الحروب التى خاضها، وواجهها من بعض المنافسين سواء من سيدة الغناء أم كلثوم وحكاياته الشهيرة عن إطالتها لفقرتها على المسرح فى الوقت الذى كان ينتظر هو ليقدم وصلته بعدها .
ولم يكن الخلاف بين سيدة الغناء العربى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ، خلافا على أغنية ، أو حفل كما قيل بصدد حفل أم كلثوم الذى كان يحضره الزعيم جمال عبد الناصر وأنها تأخرت فى وصلتها الغنائية والتى قدمت فيها رائعتها “إنت عمرى ” عن قصد ..بل كان الخلاف على من هو الأكثر قربا من القيادات السياسية وخاصة عبد الناصر الذى ظل كلاهما تحت رعايته حتى رحيله ..
الخلاف كما هو معروف حدث فى أثناء الحفل السنوى الذى يقام بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو 1964 ثم خلافه مع فريد الأطرش بسبب حفل شم النسيم حيث ظل فريد الأطرش يحتكر إحياءه لسنوات طويله وصلت الى 25 عاما ، وبعد مغادرة فريد الى لبنان وبقاءه هناك انتقلت حفلات شم النسيم الى العندليب واصبح هو نجم هذه المناسبة بلا منازع ، ومع عودة فريد فى عام 1970 بدأت الخلافات خاصة وأن جمهور فريد من كبار السن وممن يعشقون رائعته الشهيرة “الربيع ” يترقبونها منه ..فنشب الخلاف الذى وصل الى الزعيم جمال عبد الناصر والذى قيل أنه انصف فريد .
أما خلافات العندليب مع وردة فكانت متعددة ، فقد حكت هى بأنهما كانا دائمين الشجار حتى على كلمات الاغانى ففى حال ينتقدها هو على كلمات أغينة مثل “أولاد الحلال” ويتهمها بأنها تغنى للنميمية ..تفاجئه غاضبة “وهوه فيه حد يمسك الهوا بأيديه ” ..أو ” حلو القمر حلو ” .
ولأن عبد الحليم كان مستأثرا بالحان بليغ كان من الطبيعى أن تغار وردة منه ، ومع ذلك كان أول من شهد على زواجها من بليغ ، ورحب بها بعد عودتها الى مصر ، وحكايات اخرى عن المطرب كمال حسنى الذى كان موظفا بالبنك الاهلى ..وذهب للإلفختبار فى الاذاعة وكانت الاغنية التى إختارها هى ” توبة ” للعندليب ..وبعد ان غناها أشادت به اللجنة ..كونه يغنيها بوجه بشوش مبتسم عكس عبد الحليم ، واذيعت الأغنية ليصل صوته الى كبار الملحنين خاصة عندما علمت المنتجة مارى كوينى به وسمعت صوته سارعت للتعاقد معه على اعمال سينمائية بل ورشحته لبطولة فيلم “ربيع الحب” عام 1944 ولاقى الفيلم نجاحا كبيرا وترددت أغنيته “غالى عليا ” فى كل ارجاء مصر ، ولحن له الموجى وكمال الطويل ، وهو ما اثار غضب عبد الحليم كون ان كبار الملحنين يفضلون صوتا هاو على صوته ..وقدم حسنى اغنيات من الحان فريد الاطرش ثم هاجر الى الخارج وعاد فى التسعينات ليقضى أخر ايامه فى مصر .
وفى نفس الفترة كانت سلسلة من الأصوات تعلن عن نفسها من خلال مسابقات وبرامج الهواة بالاذاعة ، مثل عبد اللطيف التلبانى الذى عاش ماساة الفن والحياة معا حيث رحل فى حادث ماساوى إذ وجدا مختنقا هو وزوجته فى منزلهما نتيجة تسرب الغاز …
كما يعد ماهر العطار من الأسماء التى قارنها كثيرون بصوت العندليب وحاولوا افساد العلاقة بينهما، وتعد خلافات العندليب مع نجاة الصغيرة من أكثر الخلافات المثيرة للجدل حيث كانت بسبب أغنية “لا تكذبى” التى كتبها كامل الشناوى خصيصا لها ، ثم لحنها عبد الوهاب وغنتها هى ثم اعجب بها العندليب فغناها ،لعلاقته القوية بعد الوهاب ..حتى ان فرقة واحدة هى الماسية كانت تعزفها لكليهما فى حفلين مختلفين ..وهو ما أغضب نجاة .
ودخل فى خلافات مع فايزة أحمد بسبب إصراره على غناء |اسمر يا اسمرانى ” التى قدمتها فى فيلم ” الوسادة الخالية ” ولأنها كانت عنيدة فقد اصرت على تسيجلها فى اسطوانه خاصة بها ، بل قدمت اغنية كوميدية بعنوان “هاتوا لي وابور الحريقة” كنوع من السخرية من أغنيته “قولولوا الحقيققة “وكان لمحرم فؤاد أيضا بعض المواقف مع العندليب ، لكنه يظل هو المطرب رقم واحد ، هو السطورة الخالدة .