
اختلط الأمر على كثيرٍ من المُتحدِثين، وأغفَل كثير من العلماء الفرق الجوهرى بين مفهوم تواصل السماء، ومفهوم لغات المخلوقات، فلكل منها سماتها وخصوصيتها. فتواصل السماء وسيلة سامية اختص الله بها ذاته العليا، وتَواصل بها مع بعضٍ من مخلوقاته قبل هبوط البشر إلى الأرض.
وأول أمر صَدَر من الله للكون هو كلمة “كن” التى كانت سببًا فى التَحَول من العدم إلى الوجود ﴿إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون﴾(يس82) وبهذا الكلمة نَبَع الوجود من العدم، وهى لا تخضع لقواعد لغات المخلوقات وألسنتهم وإنما هى إيحاء مباشر من الذات الإلهية إلى الكون. بعد ذلك كان التواصل بين السماء والأرض وخالِقهما كما قال تعالى ﴿ثم استوى إلى السماء والأرض وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين (فصلت 11﴾ وهو أمر تَسْخير صَدَر من الله مباشرة إلى السماء والأرض.
بعد ذلك كان الإخبار والحوار بين الملائكة وخالقها بشأن خليفة الله فى الأرض ﴿وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفْسد فيها ويُسْفِك الدماء﴾ (البقرة 30) وهو تواصل مباشر بينهما. ثم صدر الأمر الإلهى بسجود الملائكة لأدم بعد اكتمال خلقه ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس﴾ (البقرة 34) وهو أمر إلهى بتواصل مباشر بين الله وملائكته ومعهم إبليس.
كما ورد تواصل مباشر بين الله وإبليس فى قوله تعالى ﴿ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه خلقتنى من نارٍ وخلقته من طين﴾ (الأعراف 12). وكذلك ورود تواصل بين إبليس وأدم وحواء فى جنة التجربة بقوله لهما ﴿إنى لكما لمِن الناصِحِين﴾ (الأعراف21). وجميع ما ورد فى آيات القرآن الكريم من إِخبار، وأوامر، ونواهي، وحوارات، وأقوال قبل هبوط أدم وحواء إلى الأرض هى ليست لغات تخاطب وإنما تواصل مباشر بإيحاء إلهى لا ينتمي لألسنة البشر ولغات المخلوقات على الأرض. أما لغات الناس والأنبياء وأقوامِهم، وكذلك لغات بعض المخلوقات: كالطير، والنمل، والجن، فهى كلمات تُنْطَق وتُسْمَع، ولها سمات، ومفردات، وقواعد تَعَارفَ عليها الناس عبر العصور والسنين، وأول من تعلمها أدم أبو البشرية كما قال تعالى ﴿وعلم أدم الأسماء كلها﴾ (البقرة 31)، وكذلك قوله تعالى ﴿فتلقى أدم من ربه كلمات) (البقرة 37).
وقد نزلت جميع الكتب السماوية: القرآن، والإنجيل، والتوراة، والزبور، وصحف إبراهيم بلغات الأنبياء وأقوامهم من مثل: العربية، والسريانية، والعبرية،… وغيرها من اللغات، وقول الله فيها تقريب وتيسير لإدراك البشر وفهم الناس.